تكاد لا تترك دولة الاحتلال مناسبة او ظرفاً تمر به المنطقة، سواءً في بعده الإقليمي، أو على المستوى المحلي، دون ان يكون ذلك بوابة للمزيد من الإجراءات الاستيطانية، الاستيطان بكل ما يمثله من قضم للأرض وتضييق للخناق على المواطنين الفلسطينيين، بحرمانهم من أراضيهم بنزع الملكية عنها أو بمنع وصولهم إليها، وبالتالي تبويرها لتكون مبرراً جديداً للسيطرة عليها.

ولعل الناظر إلى سلسلة الأحداث الأمنية الأخيرة وما رافقها من إعلانات قديمة جديدة أطلقها قادة مشروع الاستيطان في دولة الاحتلال تتعلق بتعزيز النشاط الاستيطاني في كل منطقة تشهد أراضيها عملية فدائية فلسطينية، يأتي هذا النوع من الإعلانات غالباً من وزير مالية الاحتلال اليمين المتطرف بتسلائيل سموتريتش أو من وزيرة مواصلات حكومة الاحتلال ميري ريجيف، أو حتى من وزيرة الاستيطان أوريت ستروك في ذات الحكومة، وكلها تصب في ذات الخانة: المزيد من الاستيطان بوصفه انتقاماً من الفلسطينيين.

ولعل أبرز هذه الإعلانات كانت في سلسلة الإعلانات الأخيرة التي ترافقت مع عمليات فدائية في مناطق محددة من الضفة الغربية، والتي تكفلت المؤسسة الرسمية بتحويل هذه الإعلانات إلى أمر واقع، سواء بمصادرة مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة، أو بتقديم مخططات هيكلية للجنة التخطيط العليا التابعة للإدارة المدنية التي يشرف عليها وزير المالية بتسلائيل سموتريتش بوصفه وزيراً في وزارة الأمن الاحتلالية.

ففي الثاني والعشرين من شهر شباط من هذا العام وعقب عملية استهدفت مستوطنين قرب مستعمرة معاليه أدوميم المقامة على أراضي محافظة القدس، أعلنت دولة الاحتلال أنها بصدد مصادرة أراضي ودراسة مخططات هيكلية لمستعمرات قريبة، وبالفعل، وبعد أسبوع واحد فقط، أقدم جيش الاحتلال على مصادرة 2642 دونماً من أراضي المواطنين في أبو ديس والعيزرية بإعلانها كأراضي دولة رداً على العملية، هذه المصادرة والتي تعتبر من أكبر مصادرات الأراضي في الفترة الماضية، هدفت وبشكل واضح إلى ربط مناطق نفوذ مستعمرتي معاليه أدوميم وكيدار المقامتين على أراضي المواطنين في محافظة القدس، ولم تكتف بذ       لك، بل قامت وفي الفترة ذاتها بتقديم 3 مخططات هيكلية كبيرة تهدف لدراسة بناء  ما يقترب من 1000 وحدة استعمارية جديدة تعود لمستعمرات معاليه أدوميم وكيدار ورافات رداً على العملية.

وبعد أقل من شهر من ذلك، وعقب عملية أخرى وقعت غرب رام الله، وتحديداً في الأراضي الفاصلة بين قريتي دير ابزيع وكفر نعمة، سارعت وزير مالية الاحتلال ووزيرة المواصلات ميري رجيف إلى الإعلان عن الإسراع في تخطيط وتنفيذ طريق يربط مستعمرة غوش تالمونيم بشارع 443. وهو الطريق الذي يهدف إلى اختصار المسافة الواصلة بالقدس، مرورا عبر الأراضي الفلسطينية ومناطق القرى الفلسطينية التي لا يوجد فيها حاليا أي تواجد للمستعمرات وبالتالي المستعمرين،  ويخطط المستعمرون منذ فترة طويلة لشق الطريق لتسهيل التوسع السكاني في المنطقة بعشرات آلاف منهم.

وتشمل مستعمرات غوش تالمونيم تلمون، دوليف، نحليئيل، كيرم ريم، نيريا، حرشا، حلميش، وزيت رعنان المقامة على أراضي غربي رام الله والتي تضم مجتمعة حوالي 9500 مستعمر. وتقع تماماً شمالي غرب رام الله، بين قرى المزرعة القبلية، بيتللو، دير عمار، ورأس كركر الفلسطينية.

وفي منتصف العام 2023 أي قبل بدء العدوان الرهيب على شعبنا، وبعيد عملية فدائية تم تنفيذها في محيط مستوطنة عيلي المقامة بين محافظتي رام الله ونابلس يوم 20 حزيران 2023 سارع قادة دولة الاحتلال وعن طريق رئيس الحكومة هذه المرة نتنياهو بالإعلان عن البدء بدراسة 1000 وحدة استعمارية جديدة تتعلق بمستعمرة عيلي تحديداً كرد على العملية، وفعلاً، جرى إدراج ثلاثة مخططات على جلسة مجلس التخطيط التي تقوم بدراسة عمليات التوسعة في المستعمرات، ترتب حينها على جملة المصادقات "شرعنة" مجموعة من البؤر الاستعمارية وهي ثلاث بؤر تحيط بالمستعمرة إياها المقامة على أراضي محافظتي رام الله ونابلس(انظر الخارطة الجانبية).

الأولى هي بيلجاي مايم من خلال المصادقة على مخططين هيكليين لها حملا الرقم رقم יוש/ 8/ 237  و יוש/ 6/ 237 لبناء ما مجموعه 499 وحدة استعمارية على مساحة 412 دونم، في حين تمت المصادقة على البؤرة الثانية في نفس البقعة الجغرافية وهي هيوفيل حاريم بواقع 407 وحدات استعمارية على مساحة تقدر 351 دونماً من أراضي المواطنين وحمل مخططها الهيكلي رقم יוש/ 4/ 237، وكذلك أقرت المخططات الهيكلية إقامة بؤرة جديدة حمل مخططها الرقم יוש/ 5/ 237 وتستهدف بناء 650 وحدة استيطانية جديدة على مساحة تقدر بـ 638  دونماً.

يبدو كل ما تفعله دولة الاحتلال محض انطباقا تاما لفكرة العقوبة الجماعية التي تستهدف الفلسطينيين وأراضيهم، بالإضافة إلى الابتزاز النفسي الذي يراد من خلاله تقويض الحاضنة الشعبية لكل ما يتعلق بالفعل المقاوم بكل أشكاله، ناهيك بالأساس عن افتقاد ما تفعله دولة الاحتلال للشرعية والقانونية وفق كل القوانين الدولية، لكنه يظل رهان المستعمر على الزمن وفرض الحقائق على الأرض، إزاء عالم لا يحرك ساكناً لطالما أن الفاعل معروف.