نهاية كانون أول 2023 المنصرم، أصدرت سلطات الاحتلال قرارا عاجلاً بوضع اليد لأغراض أمنية وعسكرية على قطعة أرضٍ بمساحة 31.886 دونما من أراضي محافظة سلفيت وتحديداً أراضي قرية دير استيا، حمل الأمر رقم  (م.د/53/23) أي أنه يقضي بمصادرة الأرض لأغراض عاجلة، وعند تحليل الخريطة المرفقة مع الامر العسكري، تتجلى خطورة ما يفرضه الأمر العسكري من وقائع باعتباره يشكل بداية لتنفيذ مخطط بتسلائيل سموترتيش الذي اقترحه قبل شهور يوصي من خلاله بفرض مناطق عازلة أو كما أسماها "مناطق آمنة" حول مستوطنات الضفة الغربية تشكل شريطاً فارغاً يمنع على الفلسطينيين من الاقتراب منها.

الأمر العسكري المشار إليه في الخارطة الجانبية الذي أصدرته سلطات الاحتلال يستهدف الأراضي التي تحيط بمستوطنة رفافا المقامة على أراضي دير استيا في محافظة سلفيت شمالي الضفة الغربية، وتحظر من خلاله المواطنين من الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة. وهي المحددة بالأمر العسكري وهي لا تكتفي بحدود المستوطنة المعروفة والمخصصة للبناء والتوسعة، ولا للشريط الأمني الذي يمنع أصلاً أي أحد من الاقتراب منه بل أضاف حدوداً إضافية وبالتالي تضييقاً مضاعفاً على الفلسطينيين.[1]

وبالعودة إلى صاحب الفكرة، وزير مالية الاحتلال اليميني المتطرف بتسلائيل سموتريتش، والذي بدا منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى حكومة الاحتلال وزيراً فيها بصلاحيات مفتوحة، مهووساً بفكرة السيطرة على الأرض، وبتضييق الخناق على الفلسطينيين، باعتباره يمتلك مفتاحين رئيسيين بين يديه للتحكم في رقاب الفلسطينيين، الأول كونه وزيرًا في وزارة الجيش، ومسؤولًا عن ملف الإدارة المدنية تحديدًا التي تتحكم في سياسات البناء والحياة في الضفة الغربية لا سيما المناطق المصنفة "ج"، والتي تبلغ مساحتها 61% من مجمل مساحة الضفة الغربية بالإضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن ملف التوسع الاستيطاني، والثاني أنه وزير المالية في الحكومة وهو الذي يقرر تمويل وتخصيص الأموال لصالح الجماعات الاستيطانية التي ترعى أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس.

وينطوي هذه المخطط على مجموعة من المخاطر، أولها، توقيته المتزامن  مع موسم الزيتون الفلسطيني، بكل اعتباراته الاجتماعية والاقتصادية والرمزية المهمة للفلسطينيين، وهو ما  حدث فعلاً، إذ منع الفلسطينيين في معظم مناطق الضفة الغربية من الوصول إلى أراضيهم لقطاف الزيتون، من خلال إجراءات المنع والتضييق التي فرضها جيش الاحتلال متذرعاً بالأوضاع الأمنية الراهنة، وبتسليط عصابات المستوطنين التي شنت هجمات مسلحة وخطيرة على قاطفي الزيتون ممن تمكنوا من الوصول إلى أراضيهم في الفترة الماضية، وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن نصف مليون دونم من أراضي الفلسطينيين المزروعة بالزيتون تركت دون قطاف، بل وكانت عرضة لهجمات من السرقة من قبل مستوطنين قدموا من مستوطنات قريبة، وبالتالي انخفض موسم الزيتون إلى حدوده الدنيا، وهو الأمر الذي أكده مجلس الزيتون الفلسطيني، الذي أشار إلى انخفاض انتاج زيت الزيتون لهذا الموسم إلى 11 ألف طن فقط، في مقابل 33 ألف طن للموسم الماضي 2022، من 23 ألف طن وهو معدل انتاج الزيتون في العام الواحد في فلسطين في السنوات العشر الماضية، وهي السنوات المعيارية.

ثانيها، وهو ابتلاع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين من خلال أوامر عسكرية، تغلق حدود المستوطنات على مساحات جديدة من الأراضي، مما يؤدي إلى عدم قدرة المواطنين من الوصول إليها، وبالتالي تبويرها لهذه الأراضي، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى إعلان دولة الاحتلال لهذه الأراضي على أنها أراضي دولة، وهي الوسيلة التي تستخدمها دولة الاحتلال في تحويل الأراضي لصالح الاستيطان، سواء لبناء مستوطنات جديدة أو توسعة القائم منها على هذا النوع من الأراضي، إذ يعتبر قانون الاحتلال مسألة أراضي الدولة كقانون لتنظيم الأراضي أنه قانون كاشف وليس منشئ، بمعنى أن أية قطعة من الأرض، يمضي على عدم فلاحتها وزراعتها مدة تقدر بثلاثة سنوات، تدخل في إطار قانون أراضي الدولة، وفلاحتها بعيد هذه المدة الزمنية لا ينتزع عنها صفة أراضي الدولة، بمعنى أن الكثير من أراضي الدولة المفلوحة والزروعة الآن قد تجد نفسها في حكم المصادرة، أو الخاضعة لمسمى أراضي الدولة، باعتبار عدم زراعتها لفترة من الزمن، يتم رصدها عبر الأقمار الصناعية في معظم الأحيان ويتم مواجهة المواطنين بهذه الصور في المحاكم، قد تكون قبل عشر سنوات أو أكثر.

وتشير المعلومات المكانية المتوفرة، إلى وجود اكثر من مليون دونم من أراضي الفلسطينيين معلنة كأراضي دولة، جلها تم مصادرتها وفق هذا الإجراء مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما كان أرئيل شارون وزيراً للزراعة في حكومة مناحيم بيغن، ثم خصصت دولة الاحتلال ومنذ ذلك الحين معظم عمليات التوسعة الاستيطانية وبناء المستوطنات مساحات الأرض اللازمة منها وفق ما يطلق عليه بأذونات التخطيط، وهي الأذونات التي تصدرها الإدارة المدنية من أجل تحويل قطعة الأرض من نطاق أراضي دولة إلى أراضي تتبع لمنطقة نفوذ المستوطنة القابلة للاستخدام في هذا الشأن أو حتى في إطار تخصيص هذا النوع من الأراضي من أجل "ِشرعنة" البؤر الاستيطانية بتخصيص أراض لها تكمنها من التحول إلى مستوطنة بكامل الامتيازات.

يمكن في نهاية المطاف، فهم ما تحاول أن تفعله دولة الاحتلال أسفل غطاء الحرب هذه الأيام، أنها لا تدخر جهداً في إحداث استدعاءات مبتذلة تحاول من خلالها الترويج، أن ما حدث في غزة، وتحديداً الهجوم على غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر، يمكن أن يتكرر في أراضي ومستوطنات الضفة الغربية من خلال محاولة منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي التي موضعت دولة الاحتلال مستوطناتها بداخلها وحولها، ويبدو أن دولة الاحتلال لا زالت تلقى آذاناً تسمع هذا النوع من الادعاءات.

 

[1]  راجع تقدير الموقف التالي بعنوان: (مناطق سموترتش "الآمنة": كانتون آخر للفلسطينيين) المنشور على الموقع

نشر المقال في المرة الأولى على موقع صحيفة ألترافلسطين