البؤرة في مقابل الترحيل: مخطط قديم يعاد إنتاجه

مؤيد شعبان

رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان

‏الإثنين‏، 20‏ تشرين الثاني‏، 2023

لا يمكن إحداث فصل وظيفي بين قضيتي إنشاء البؤر الرعوية التي تصاعدت عملية إنشاءها بعد العام 2015، وقضية الترحيل القسري الجاري هذه الأيام، والذي وصل إلى ذروته بعيد بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023، إذ شكلت حالة الطوارئ وإعلان الحرب غطاءً واسعاً لسلوك مليشيات المستعمرين الإرهابية الهادفة أصلاً إلى إحداث هذا النوع من التهجير في واحدة من أشكال التبادل الوظيفي للأدوار بين المؤسسة الرسمية وهذه المليشيات. تشير بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى وجود 96 بؤرة  نشطة تأخذ شكلاً رعوياً وزراعياً من أصل 196 بؤرة استعمارية متنوعة المهمات (بيانات محدثة/الهيئة)، تمنع هذه البؤر المواطنين الفلسطينيين من "استخدام/وصول" إلى أكثر من 390 ألف دونماً من أراضي المواطنين في مناطق مختلفة من الضفة الغربية يتركز معظمها في السفوح الشرقية والأغوار، دون أوامر عسكرية رسمية ودون إجراءات معلنة، محض سيطرة بالإرهاب والعربدة والحماية الرسمية العسكرية.

الخارطة المرفقة، توضح كيف أدى تموضع البؤر الموجه إلى جانب التجمعات البدوية وما رافق سلوك مرتاديها من مستعمرين مسلحين متطرفين، محمولين على روح الاعتداء وتنفيذ مخطط الإخلاء إلى رحيل هذه التجمعات، من خلال حرمان هذه التجمعات من مساحات الرعي ومصادر المياه وبث الرعب في قلوب الآمنين من الشيوخ والنساء والأطفال إلى دفعهم إلى الرحيل. تشير بيانات الهيئة، إلى جانب منظمات حقوقية أخرى أن أكثر من 23 تجمعاً بدوياً متباين الأحجام جرى ترحيلها ما بين العامين 2022/2023، بسبب إرهاب المليشيات التي تنطلق من هذه البؤر.

تستند هذه المقاربة (البؤرة في مقابل الترحيل)، إلى أحد المخططات المركزية في مسيرة المشروع الاستيطاني الاستعماري بعيد الاحتلال في العام 1967، والذي كشف النقاب عنه في ذات العام والذي يعود إلى رئيس الوزراء بالإنابة والوزير في حكومة الاحتلال الثالثة إيغال ألون، والذي قدم مقترحاً يقضي بتفريغ السفوح الشرقية للضفة الغربية، وضم مدينة القدس والسيطرة على المصادر الطبيعية الفلسطينية (انظر الخارطة الجانبية).

تستنتج عملية المتابعة للسلوك الاستيطاني الاحتلالي في العقود الماضية، أن دولة الاحتلال لم تحد قيد أنملة عن تنفيذ هذا المخطط تحديداً، إلى جانب مخططات بارزة أخرى على رأسها مخطط متتياهو دروبلس 1978 (رئيس شعبة الاستيطان الأسبق)، والذي اقترح إلى جانب ضم السفوح الشرقية تعزيز التكتلات الاستيطانية، بقي ثابتاً، وينفذ بوتيرة سريعة متدحرجة، بدأت بعملية عزل الأغوار وتفريغها، مروراً بتسليط المستعمرين عبر البؤر الاستعمارية الرعوية والزراعية وانتهاءً بفرض الإرهاب من أجل إنجاز عملية الترحيل.

تشير بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن 71% من هذه البؤر تم إنشاؤها بعيد العام 2015، وترصد الهيئة أن أكثر من 78% من هذه البؤر أقيمت في الجزء الشرقي من الضفة الغربية، ابتداءً من الأغوار الشمالية شمالًا، مروراً بشرقي رام الله والقدس، وانتهاءً بجنوبي محافظة الخليل في الجنوب، أو في المناطق التي تطل على هذه المناطق كالجزء الشرقي من محافظة نابلس وتشكل ممراً إليها بالمفهوم العملياتي من السيطرة.

يبدو من خارج الأمور أن العناوين الاستيطانية المخترعة في كل مرحلة منفصلة انفصالاً تاماً عن بعضها البعض بما يدعم الادعاء الاحتلال بوجود ضرورات ودواعي أمنية لكل ذلك، لكن في حقيقة الأمر، وعند مراجعة هذا المشروع في بعده التراكمي، يظهر، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن ثمة ترابطاً وثيقاً تردّ نفسها إلى أصول قديمة وأدبيات تم اعتمادها منذ بدء الاحتلال، لا تبرح السيطرة كمفهوم، ولا تغادر إحكام القبضة على الأرض والإنسان كإجراء على الأرض.

وإذا كان مشوار المشروع الاستيطاني الاستعماري على الأرض الفلسطينية قديماً وبعيداً ومستمراً، فإنه، ومن الجهة الأخرى، لا يقل النضال الوطني القانوني والشعبي الفلسطيني ل تجذراً وأصالة وبأي شكل من الأشكال، منطلقاً من مفهوم الحق الأصيل، والنضال الذي كفلته كل شرائع الأرض والسماء، وحفظه الفلسطيني عن ظهر قلب.