ظهرت حركة رغافيم والتي كان أبرز مؤسسيها وزير المالية الحالي بتسلئيل سموترتيش في العام 2006 كحركة احتجاجية على إخلاء مستوطنات غزة وشمال الضفة الغربية في العام 2005، ثم أكملت الحركة طريقها في رصد البناء والتمدد الفلسطيني في أراضي الضفة الغربية، منذ ذلك الحين طورت الحركة، خطاباً ثابتاً تجاه حكومة الاحتلال وأذرعها في الضفة الغربية مفاده "انتبهوا لفرض الأمر الواقع في أراضي يهودا والسامرة" على يد الفلسطينيين.
بنت الحركة منظومة من العلاقات داخل مجتمع صناع القرار في دولة الاحتلال وصولاً إلى اللحظة التي ظهرت حالة تبادل الأدوار في غابة الوضوح بعد العام 2021 بين رغافيم، الحركة التي تعمل وكأنها ترصد انتهاكات الفلسطينيين بحق الأرض، والإدارة المدنية الاحتلالية التي تسيطر على عمليات البناء والاستيطان في الضفة الغربية، في هذه اللحظة أصبحت رغافيم بالتحريض والوشاية والرقابة، واحدة من أهم أذرع الإدارة المدنية الضاربة في المنطاق، وفي هذه اللحظة أدرك المستوطنون أن التحريض يجدي نفعاً في حربهم الطويلة مع الفلسطينيين.
يبدو من اللافت هذه الأيام لمتتبعي إعلام المستوطنين حجم المتابعة التي يجريها هؤلاء لكل ما يحدث في أراضي الضفة الغربية من أنشطة لمقاومة الاستيطان أو حتى لمنشورات نشطاء على الفيسبوك.
لم يتوقف التحريض عند هذه الحدود، في الفترة الماضية بدأت معالم جديدة ترسم نفسها على وجه الذراع الجديد الفعال، نظراً للاستجابة الكبيرة من قبل المؤسسة الرسمية لما يصدر عن إعلام المستوطنين وأذرعهم المعلوماتية. إذ يبدو من اللافت هذه الأيام لمتتبعي إعلام المستوطنين حجم المتابعة التي يجريها هؤلاء لكل ما يحدث في أراضي الضفة الغربية من أنشطة لمقاومة الاستيطان أو حتى لمنشورات نشطاء على الفيسبوك.
تجلت الصدمة عندما تداول نشطاء محادثات أجراها نشطاء مستوطنون يرصدون فيها مسار جنازة شهداء قصرة منتصف الشهر الماضي، وحالة التخطيط والتحريض للاعتداء على الجنازة، جاء موعد الجنازة، وتعرضت الجنازة لإطلاق نار واعتداء من قبل الجنود والمستوطنين المسلحين مما أسفر عن استشهاد مواطنين بإطلاق النار وإصابة آخرين، في مشهد أعاد للأذهان صورة المستوطن المسلح المدفوع بعقائد ظلامية مريضة عن الإجهاز على العرب والاستفراد بالأرض.
في اليوم ذاته، وتحديداً يوم استشهاد الشاب محمد احمد بشارات من قرية طمون شرقي طوباس، نشرت صفحات المستوطنين الخبر على طريقتها الخاصة: صورة تظهر الشهيد جالساً بينما رسم أعلى الصورة شعار X في إشارة إلى تصفية جيش الاحتلال للشاب أخيراً، تبين يومها ان صفحات المستوطنين قامت سابقاً بالتحريض على تصفية الشاب، وما كان خبر تصفيته لدى هذه الصفحات إلا باعتبار ان المهمة تم إنجازها.
مجموعات "صيادو النازية"هي واحدة من مجموعات يديرها مستوطنون متطرفون تنشط على موقع "تيليغرام"، بدأت النشر تحديداً يوم 9 تشرين أول 2023، ويبدو من منشوراتها المنتظمة منذ ذلك التاريخ أنها تقدم رسالتين أساسيتين الأولى: هي إيصال رسائل للناشطين والقادة الفلسطينيين ان هناك من يقوم بمتابعتهم ورصد تحركاتهم وأنشطتهم ومنشوراتهم، ثم تأتي الرسالة الثانية: وهي التحريض عليهم لقادة جيش الاحتلال بالاعتقال والتصفية.
ترصد هذه المجموعة ما يحدث في الميدان، وتقوم برصد عمليات اعتقال وتصفية النشطاء، ثم تقوم بالإشارة لاحقاً أن هذا الناشط تم اعتقاله أو تمت عملية تصفيته، في إشارة إلى مستوى التقدم في عمليات الاستهداف الناتجة عن التحريض.
ويبدو من الواضح تماماً أن المجموعة لا يديرها نشطاء مستوطنون فقط، بل يشير حجم المعلومات المقدمة عن التاريخ الشخصي لكل واحد من المستهدفين وأبرز تحركاته ومنظومة علاقاته أنها تحتوي على ضباط مخابرات نشطين، أو حتى ضباط سابقين لديهم إمكانية الولوج إلى مصادر المعلومات السرية لدى أجهزة أمن الاحتلال.
تعتمد المجموعة على إيصال رسائل عنيفة أهمها التهديد بالتصفية والقتل، نظراً للتمصميم الموحد الذي تقدمه، وهو إشارة القناص على رأس المستهدفين الذين يتم الإشارة لهم، في دلالة على نية تنفيذ عمليات القتل، أو التحريض عليها، وهو ما يظهر في جملة المنشورات التي يتم إضافتها باستمرار للتحريض على المواطنين والنشطاء.
تتعمد المجموعة في انتقاء مسماها في الاتكاء على معتقدات قديمة في الثقافة الغربية، وهي موضوع الإجماع على معاداة النازية والاتفاق على اجتثاث مؤيديها، تدغدغ من خلال ذلك هذه المجموعة وجدان لطالما بقي متيقظاً لكل ما يتعلق بموضوع معاداة السامية وارتداداتها المختلفة، وتحاول المجموعة من خلال هذا المسمى ان تنزع عن المستهدفين صفة الإنسانية وأبسط الحقوق، وهو ما بات يطلق عليها بتجريم النشطاء من أجل شرعنة عملية تصفيتهم، إذ يبدو هذا اللعب على المشاعر أخطر ما يمكن أن يحدث في هذا السياق.
في الجهة المقابلة وقبيل ظهور مجموعات "صياد النازية" لا بد من الإشارة إلى أن هناك ما هيأ لظهورها عندما بدأت صحيفة أطلقت على نفسها "الصوت اليهودي" الناطقة باسم منظمة "الكفاح من أجل كل دونم" الاستيطانية، قبل أكثر من عام العمل بمواظبة كبيرة نشر التحريضات التفصيلية ضد نشطاء المقاومة الشعبية، باعتبار أن معركة المستوطنين هي الأرض، وبالتالي تنظر هذه الجماعات مدفوعة باحزاب اليمين المتطرف في دولة الاحتلال إلى هؤلاء النشطاء باعتبارهم يلحقون الضرر بمنهجية السيطرة المتلاحقة على الأرض.
رصدت صحيفة "الصوت اليهودي" في مستهل ظهورها أبرز كوادر المقاومة الشعبية السلمية في الأرض الفلسطينية، ورصدت تاريخ ونشاطات كل واحد منهم، ودعت بشكل واضح ومباشر قادة الأجهزة الأمنية الاحتلالية إلى إطلاق النار على النشطاء وتصفيتهم. من خلال مقال نشره "شالوم فريدمان" اختتمه بالقول لا بد من إطلاق النار على أقدام مثيري الشغب واعتقال هذه المجموعة من الإرهابيين على الفور، لقد حان الوقت للجيش الإسرائيلي ليدرك أن هذه ليست أقل من منظمة إرهابية منظمة ومنظمة وراء معظم أعمال الشغب في يهودا والسامرة".
قد لا تكون هناك أية دلالة ذات اعتبار موضوعي في ربط هذه المجموعات والصحف بمنظمة "رغافيم" الاستيطانية التي يتمركز جوهر عملها على التحريض على النشاط الفلسطيني الإنمائي والإعماري في المناطق الفلسطينية، لكن، وبالنظر إلى موضوع التحريض، فإن الصلة تبدو ذات دلالة موضوعية بالربط بين نشاط الصحيفة والحركة التي ترعى أعمال التحريض وتحديداً لدى الجهاز التنفيذي لدولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وهي الإدارة المدنية التي تأخذ على عاتقها مسألة تنفيذ إجراءات قمع الفلسطينيين وهدم مبانيهم وتقويض أنشطة التنمية في مناطقهم.
نشر المقال في موقع وصحيفة ألترافلسطين.