خطط تهجير البدو في الخان الأحمر
خطط تهجير البدو في الخان الأحمر
تشير الوثائق التاريخية أن مخططات تهجير البدو بغور الأردن بشكل عام، وفي برية القدس (الخان الأحمر) ليست جديدة، حيث تشير الرسائل المتبادلة بين ضباط الاحتلال الإسرائيلي في لواء رام الله محاولات فاشلة لتجميع البدو في المناطق المذكورة.
وتشير الوثائق المذكورة، أن التجمعات البدوية في المناطق المذكورة تأقلمت مع المكان، وبدأت بوضع أسس استقرارها الدائم فيها. غير أن الأطماع الإستعمارية للاحتلال الإسرائيلي، أصرت على مواصلة تضييق الخناق عليهم، كي تحول حياتهم إلى حالة من عدم الاستقرار المتواصل، بهدف تسهيل ترحيلهم.
وفي عام 1975 بدأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بشن هجمة استعمارية ضد الأراضي الفلسطينية، تمثلت بمصادرة 30 ألف دونما من أراضي العيزرية والطور والعيسوية وأبو ديس وخان الأحمر والنبي موسى، من أجل بناء مستعمرة معاليه أدوميم. وقبل سنوات من المصادرة، أعلن القائد العسكري الإسرائيلي عن معظم هذه الأراضي مناطق عسكرية مغلقة، يمنع الدخول أو البقاء فيها أو استخدامها للزراعة أو للرعي، لمن لا يسكن المنطقة المعلن عنها.
وفي عام 1977 تمت مصادرة 1940 دونم إضافي من أجل توسيع مستقبلي للمستعمرة. فيما صودر 2000 دونم لشق طرق وإقامة بنى تحتية تخدم مستعمرة معاليه أدوميم والتجمعات اليهودية الأخرى، وعلى رأسها القدس.
توسيع معاليه ادوميم وتطويق البلدات والقرى الفلسطينية بهدف عزل القدس الشرقية عن أي محيط فلسطيني، تطلب تهجير التجمعات البدوية الفلسطينية المنتشرة في برية القدس، وفي مقدمتها جبل البابا (الذي تطلق إسرائيل عليه زورا E1 ) الذي يتضمن وجود مقر عام لشرطة إسرائيل في القدس بدلا من مقر "المسكوبية" الذي سلم للكنيسة الروسية كونه أحد ممتلكاتها، وبناء 15 ألف شقة سكنية وغيرها من المرافق الصناعية والسياحية (مرفق ملحق حول منطقة 1 E).
لكن المشاريع الإسرائيلية المستقبلية المتعلقة ببناء المزيد من المستعمرات وزيادة عدد المستعمرين في كل برية القدس –ومن ضمنها الخان الأحمر- الممتدة على طول شارع القدس-أريحا، بهدف إقامة ممر من المستعمرات اليهودية ،وفق خطة الوزير الحالي في حكومة الاحتلال أوري أريئيل (مؤسس مستعمرة كفار أدوميم) يصل حتى نهر الأردن ومرتفعات البحر الميت في الغرب. الأمر الذي تطلب، من الحكومات الإسرائيلية المختلفة إخلاء التجمعات البدوية المنتشرة في أماكن مختلفة، وبدأت مبكرا بطرد عرب الجهالين والدواهيك والسلامات من المنطقة التي أقيمت عليها مستعمرة معاليه أدوميم، التي زادت من طرد البدو، كلما اتخذ الاحتلال الإسرائيلي قرارا بتوسيع المستعمرة المذكورة.
التوسعات المذكورة في المستعمرة، ولتحقيق المشاريع الاستعمارية المستقبلية الأخرى لدولة ومواطني دولة الاحتلال، في برية القدس ومن ضمنها الخان الأحمر وفي غيره من مناطق، دفعت إسرائيل إلى وضع مخططات، واتخاذ بعض القرارات اللازمة لطرد التجمعات البدوية التي بلغ عددها 21 تجمع بدوي في الخان الحمر من بينها 6 تجمعات أعطتها قوات الاحتلال أولوية الهدم هي :جبل البابا (الذي صدر بحق سكانه أوامر طرد) وادي السدر وأبو فلاح ومتوش وكاب السمن وأبو الحلو (أبو الضباع) موضوع التقرير.
أبو الحلو (أبو الضباع)
تتبع اراضي أبو الحلو قرية عناتا، حيث قدرت مساحة هذه المنطقة 10432 دونم تملكها عشرات الفلسطينيين القاطنين في بلدة عناتا (ملحق صك ملكية وتوزيع الأراضي). ومن ضمن هذه المناطق منطقة أبو الحلو أو أبو الضباع الواقعة على الشارع الرئيسي القدس-اريحا، وتبلغ مساحتها 129 دونم تسكنها 28 عائلة (180 نسمة) من عرب الجهالين والدواهيك. وليس بعيدا عنها تقع مستعمرة كفار أدوميم المقامة على أراضي الفلسطينيين المصادرة.
يوجد في التجمع البدوي أبو الحلو 110 منشأة، بعضها للسكن والبعض الأخر يستخدم كحظائر للمواشي. ويضم التجمع مدرسة ابتدائية يدرس فيها 180 طالب من 5 تجمعات بدوية، علما بأن المدرسة بنيت من قبل الحكومة الايطالية، وقام الاتحاد الأوروبي بتوسيعها فيما بعد.
يملك الساكنون في التجمع 3 عقود إيجار موقعة من المالكين الأصليين للتجمع عام 2017، الذي جاء تتويجا لموافقة أصحاب الأرض الأصليين على وجودهم فيها على مدار أكثر من 60 عام. ومن بين عقود الإيجار عقد مرفق موقع من قبل فايق محمد محمود عليان ومعروف إبراهيم محمد وغيرهم (مرفق عقد ايجار) وبين وجهاء من عرب الجهالين والدواهيك (محمد ابراهيم أبو داهوك وأحمد محمد نصر أبو داهوك وعيد خميس سويلم جهالين) القاطنين في التجمع.
عرب الجهالين والدواهيك طُردوا من قراهم الأصلية بتل عراد الواقعة في دولة إسرائيل إلى تجمعات بدوية داخل الدولة نفسها مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، وفي بداية الخمسينيات تم طردهم مرة أخرى من دولة إسرائيل، حيث توجهوا إلى مناطق عدة، من بينها الخان الأحمر الذي سكنوه منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، وكانت منطقة أبو الحلو أو وادي الضباع من ضمن هذه المناطق.
القاطنون في هذا التجمع، إسوة بغيره من التجمعات البدوية مسجلين كلاجئين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وطردهم من مناطقهم هذه، يعني أنهم لاجئون ومشردون للمرة الثالثة خلال السبعون عاما الماضية، أي منذ نشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي.
بعد توحيد الضفتين، لم تعترض الحكومة الأردنية على وجود التجمعات البدوية في الخان الأحمر أو في الشارع الممتد من القدس حتى أريحا. وعندما احتلت إسرائيل ما تبقى من أراض فلسطين أو ما أصبح يعرف بالضفة الغربية والقدس كانت منطقة أبو الحلو مسكونة من عرب الجهالين والدواهيك، حتى يومنا هذا، من دون أي اعتراض منها على وجودهم حتى قبل عشرة أعوام.
صدر قرار هدم المنطقة قبل عام ،بعد تسعة أعوام من الصراع القضائي، بحجة وإدعاء من قوات الاحتلال بأن عرب الجهالين والدواهيك "غزو" أراضي الدولة، التي اخفت عن المحكمة وثائق تتعلق بملكية خاصة من فلسطينيين لهذه الأراضي. وفي شهر نيسان من هذا العام (2018) قررت المحكمة، وبشكل نهائي رفض الطعون المقدمة من الفلسطينيين وأعطت الضوء الأخضر للإدارة المدنية بهدم التجمع البدوي.
ونتيجة لضغوط فلسطينية رسمية ومحلية ودولية، أجلت المحكمة قرار الهدم، غير أن مسئولي الإدارة المدنية أعلنوا اكثر من مرة أنهم سيهدمون التجمع بغض النظر عن قرار المحكمة القادم، بهدف بناء حي جديد لمستعمرة "كفار أدوميم" يتضمن بناء 320 وحدة سكنية، سيبدء ببناء أكثر من 100 وحدة سكنية وبناء مؤسسات تعليمية، بعد هدم التجمع البدوي أبو الحلو مباشرة.
سبق القرارات القضائية من دولة الاحتلال، المذكورة عمليات مضايقات طويلة ومتواصلة حتى هذا اليوم تمثلت، بفرض قيود على الوصول إلى مناطق الرعي والأسواق، وحرمان البدو من الوصول إلى البنى التحتية الأساسية، ورفض إصدار تراخيص بناء، إضافة إلى عمليات هدم وتهديد بهدم المنازل والمدارس وحظائر الماشية، كما أخفقت سلطات الاحتلال بحماية السكان من تخويف وهجمات المستعمرين الإسرائيليين.
خلاصة
يشكل البناء في منطقة E1، وإخلاء التجمعات البدوية في الخان الأحمر، بما فيها منطقة أبو الحلو أو أبو الضباع إبادة اجتماعية واقتصادية وثقافية لحياة البداوة المنتشرة في الكثير من أنحاء العالم العربي بما فيها إسرائيل والضفة الغربية.
ومن الناحية الاقتصادية يشكل الهدم، ضربا لمصدر رزق هذه المجتمعات، بما فيها أبو الحلو أو أبو الضباع، القائمة على تربية المواشي والطيور، ويضمهم إلى صفوف البطالة المنتشرة في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي أحسن الأحوال، يحولهم لعمال في العمل الأسود المنتشر في المستعمرات الإسرائيلية، ذلك أن الأماكن المقترحة للسكن تقع على مسافة ما من هذه المستعمرات.
وفي حال نفذ قرار الهدم، فإن ذلك يساهم بصورة كبيرة جدا، في تقويض الوجود الفلسطيني في المنطقة، ويعزز الخناق الإسرائيلي المتواصل على القدس الشرقية بهدف تعزيز عزلها عن باقي الضفة الغربية، ويقطع التواصل الجغرافي بين شمال ووسط الضفة الغربية عن جنوبها، ويدفن إلى الأبد حل قائم على دولتين لشعبين، ويمنع تطورهم العمراني المستقبلي ويحشرهم في كانتونات كبيرة. كما يشار أن المنطقة المذكورة حيوية جدا بالنسبة للفلسطينيين من حيث التواصل مع دول العالم بشكل عام ومع العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، خاصة أنها لا تملك ممرا إلى البحر، ما يحولها لمنطقة مغلقة وفق المفاهيم السياسية والقانونية الدولية.
إضافة لذلك، يعتبر تنفيذ قرار الهدم، خرقا للقانون الدولي، وتجاوزا من دولة الاحتلال لصلاحياتها في المنطقة المحتلة، وجريمة حرب في مجالين هما: الأول، التهجير القصري الذي حرمه القانون الدولي إن كان فرديا أو جماعيا لسكان أراضي محتلة يعتبرون محميين، بغض النظر عن الدوافع، حيث ذكر القانون أن الترحيل يعتبر انتهاكا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة، مما يشكل جريمة حرب قد تؤدي إلى تحميل المسؤولين المشاركين فيها مسؤولية جنائية. والثاني، نقل سكان الدولة المحتلة إلى المناطق التي تحتلها مخالفة لمعاهدة جنيف الرابعة، الرافضة لقيام دولة الاحتلال بترحيل أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وأن ذلك جريمة حرب تُعرض القائمين عليها للمقاضاة في محكمة الجنايات الدولية. أما القانون الدولي الإنساني فقد طالب القوة القائمة بالاحتلال حماية سكان الإقليم الواقع تحت احتلالها، وضمان رفاهيتهم ورعايتهم، إلى جانب احترام حقوق الإنسان الواجبة لهم، وحظر القانون أي هدم للممتلكات من جانب القوة القائمة بالاحتلال، إلا إذا كانت العمليات العسكرية تقتضي حتمًا هذا التدمير، وهذا لا ينطبق على الضفة الغربية التي لا تشهد أي أعمال قتالية في هذه الآونة.
وأخيرا فإن صمت المجتمع الدولي، وعدم تحركه لمعاقبة المحتلين، أو حتى إجبار دولة الاحتلال على منح حق الفلسطينيين حق تقرير المصير، سيدفع إسرائيل إلى استمرار جرائمها بحق الفلسطينيين.
ألم يقل المثل المشهور أن "عدم العقاب يزيد الجريمة".
عليان هندي
مستشار رئيس الهيئة للشؤون الإسرائيلية
[1]. المعلومات الواردة في التقرير تم الحصول عليها من دوائر هيئة مقاومة الجدار والاستيطان المختلفة، ومن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية والإسرائيلية المختلفة التي تطرقت إلى الموضوع.