رأي قانوني حول:
" قانون تسوية المباني الاستيطانية في "يهودا والسامرة" – 2016 "
لماذا جاء هذا القانون
- جاء في مقدمة هذا القانون: "ان الهدف من هذا التشريع هو شرعنة البناء الاستيطاني وترسيخه وتطويره في يهودا والسامرة". على أن ما يستدعي الانتباه هنا هو أن مصطلح "البناء الاستيطاني، كما عرَفه هذا القانون جاء كما يلي : "ويشمل انشاء ضاحية، او توسيع مستوطنة، بما تتضمنه من البيوت السكنية ، المنشات، الاراضي الزراعية المخصصة لها، طرق الوصول، شبكات المياه، الاتصالات، الكهرباء، الصرف الصحي، وسائل الانتاج، والمباني العامة".
من المعروف أن قوة الاحتلال الاستعماري الاسرائيلي وفي الفترة ما بين 1967 و1979 تعاملت مع الحيز الفلسطيني كفضاء مخصص للاستيطان الاستعماري يملكه أو يتحكم فيه القائد العسكري للضقة الغربية. وعليه جرى وضع اليد على اكثر من مليون دونم من الاراضي الفلسطينية الخاصة بحجة الدواعي الامنية، وجرى ايضا انشاء 50 مستعمرة اسرائيلية عليها بقرارات حكومية من دولة الاحتلال.
هذه الالية، استبدلت اثر قرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية في قضية مستعمرة "الون موريه"، باعلانات اراضي الدولة، والتي استندت الى نص مادة ملغاة من مواد قانون الاراضي العثماني، او على الاقل الى تعسف في تفسير القانون ناقض قصد المشرع العثماني ابتداء والتطبيقات الانتدابية والاردنية اللاحقة. وهكذا جرى في الفترة ما بين عام 1980 وحتى توقيع اتفاقبات اوسلو وضع ما يزيد عن مساحة مليون ومئتي الف دونم تحت ولاية المسؤول عن الاموال الحكومية والمتروكة. وعلى هذه الاراضي تم انشاء اكثر من 100 مستعمرة جديدة، وتم اطلاق العنان لشركات الاراضي الاسرائيلية الاستعمارية لكي تستولي على الاراضي الفلسطينية الخاصة، بكل ما تمتلك من طاقات وحشية وعنصرية.
بعد قيام السلطة الفلسطينية، وبالتحديد مع تسلم الليكود دفة الحكم، انتشرت ظاهرة "البؤر الاستعمارية" التي زاد عددها اليوم عن 120 بؤرة. تقوم غالبية مبانيها، او الطرق المؤدية لها، اوالخدمات الملحقة بها على اراض خاصة. وتزامن ذلك مع هجمة مسعورة استهدفت الاستيلاء على الاراضي الزراعية الخاصة وزراعنها بالعنب والنخيل بشكل خاص. حتى زاد مجموع مل يزرعه المستعمرون عن مئة الف دونم.
الملاحقات القانونية التي اشرفت عليها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بالتعاون مع المؤسسات القانونية الشريكة، وضعت الكثير من العصي في دواليب هذا المشروع. بؤرة عمونه لم تكن الاولى، ولا حتى "اولباناه" و "ميجرون". مستعمرة عوفرا ذاتها لم تنجح حتى اليوم في تنظيم مخطط هيكلي لها. ومحاولاتهم ايجاد بدائل عبر اعلانات "الاراضي المتروكة" فشلت، ولاقت ذات المصير الذي لاقته محاولات عصابات المستوطنين لتزوير ملكيات الاراضي.
بكلمه، فان هذا القانون جاء لينهي مشكلة الملكية الخاصة التي تعرقل مواصلة تنفيذ المشروع الاستعماري الاستيطاني الاسرائيلي في الارا ضي الفلسطينية، سواء المتعلقة بالاراضي التي يستغلها المستعمرون كموارد اقتصادية وسكنية، او التي التي يخططون للسيطرة المستقبلية عليها. بعد ان فشلت اليات السلب التقليدية المستخدمة من قبلهم في توفير الاساس القانوني المناسب. ولتوفر على الحكومة الاسرائيلية موجات الشجب والاستنكار الدوليين كلما قامت بشرعنة بؤرة جديدة كما فعلت في الاعوام السابقة. وعليه فان التسمية الحقيقية والموضوعية لمثل هكذا قانون هي (شرعنة سلب اراضي الفلسطينين الخاصة)
القانون من الناحية الاجرائية :
- صلاحيات التشريع في الاقليم المحتل بموجب القانون الدولي الانساني.
المادة 43 من اتفاقية لاهاي 1907 : "اذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية الى يد قوة الاحتلال، يتعين على هذه الاخيرة، قدر الامكان، تحقيق الامن والنظام العام وضمانه، مع احترام القوانين السارية في البلاد الا في حالة الضرورة القصوى".
- المنشورات الامنيه الصادره عن قائد قوة الاحتلال الاسرائيلي عشية احتلال الضفة الغربية.
المنشور رقم "2" اكد على استمرار سريان القوانين النافذة في الضفة الغربية قبل تاريخ 7/6/1967 وخول صلاحيات الحكم والتشريع في المنطقة الى قائد قوات الجيش الاسرائيلي فقط، وتمارس من قبله او من قبل من يعينه لذلك او من يعمل بالنيابة عنه.
من هنا، فان قيام جهة التشريع في دولة الاحتلال بتخويل نفسها صلاحية مد ولايتها القانونية على الاراضي الفلسطينية، يعني ان القيادة الاسرائيلية لم تعد تعترف بالوضع القانوني للاراضي الفلسطينية كاراض محتلة – الحقيقة التي تم التاكيد عليه في الفتوى المشهورة الصادرة عن اعلى سلطة قضائية دولية في العالم "محكمة العدل الدولية" – وباتت تتعامل مع الاراضي الفلسطينية وكأنها اراض اسرائيلية، في انتهاك واضح للقوانين والقرارات الدولية ، وترلجع عن موقف الحكومات الاسرائيلية السابقة، وعن الاساس الذي قامت عليه اتفاقية اوسلو والاتفاقيات اللاحقة.
ان اقتراح السلطة التنفيذية ومصادقة السلطة التشريعية على هذا القانون انما يمثل ضما صامتا للاراضي الفلسطينية المصنفة (ج)، كتكريس عملي للايديولوجية الصهيوتوراتية، او الصهيومسيانية، التي ترى في مجمل الاراضي الفلسطينية جزءا من حدود كوشان الملكية الالهي لبني اسرائيل.
القانون من الناحية الموضوعية:
أولا : فيما يلي اهم النقاط التي تضمنها القانون:
- الغاء كافة الاجراءات القضائية المتعلقة بملكية الاراضي الفلسطينية المستولى عليها من المستعمرين
- اعتبار عملية الاستيلاء على الاراضي وما ترتب عليها تمت بحسن نية، طالما انها حظيت على موافقة الدولة : "سواء كانت بالتصريح أو بالتلميح. مسبقاً أو بعد تنفيذ العمل، بما في ذلك المساعدة في إنشاء البنى التحتية، منح الحوافز، تنظيم المخططات، ونشر الإعلانات الهادفة الى تشجيع البناء أو التطوير، أو المشاركة في المال، أو الدعم". والأنكى هنا، ان تعريف الدولة بموجب تعريف هذا القانون لم يقتصر على حكومة اسرائيل، أو أية وزارة من وزاراتها، او سلطات الاحتلال، بل شملت ايضا (اي مجلس محلي او إقليمي خاص بالمستعمرات او في إسرائيل. وكذلك أية مؤسسة استيطانية).
- اذا كانت الاراضي المستولى عليها قد جرى تسويتها، يتم مصادرة حق التصرف والحيازة من مالكها وينقل للمسؤول عن الاموال الحكومية الذي سيقوم خلال ستة اشهر بتخصيصها للمستعمرين الاسرائيليين المستولين عليها.
- اذا كانت الاراضي لم تجر تسويتها فعلى من يدعي ملكيتها اثبات ملكيته (وفقا للشروط الاسرائيلية الاستعمارية المعروفة).اذا اثبت ذلك تجري عليها الاجراءات السابقة، والا فانها ستسجل باسم المسؤول عن الاموال الحكومية.
- مقابل مصادرة حق التصرف والحيازة يسمح للمالكين الفلسطينيين بأخذ تعويض مالي فقط، تقدره لجنة تخمين يشكلها الاسرائيليون.
- لا يحق للفلسطينييين المتضررين التوجه للمحاكم الاسرائيلية ضد قرار المصادرة ذاته، وفقط يسمح لهم بالاعتراض امام لجنة تشكل لهذا الغرض لرفع مبلغ التعويض.
ثانيا، موقف القانون الدولي والقانون المحلي :
- القانون الدولي :
- انتهاك جسيم للقواعد القانونية التي تضمنتها القوانين الدولية. وبشكل خاص قانون حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني.
فقد جاء في المادة الخامسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية انه "لا يقبل فرض اي قيد او تضييق على اي من حقوق الانسان الاساسية المعترف بها أو النافذة في اي بلد..". اما المادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نصت على : "الناس جميعا سواء امام القانون ويتمتعون بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب ان يحظر القانون اي تمييز وان يكفل لجميع الاشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لاي سبب كالعرق او اللون او اللغة او الدين او الرأي سياسيا او غير سياسي، او الاصل القومي.."
ام بالنسبة للقانون الدولي الانساني، فان المادة 46 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 نصت على : "ينبغي احترام شرف الاسرة وحقوقها، وحياة الاشخاص، والملكية الخاصة وكذلك المعتقدات والشعائرالدينية، ولا تجوز مصادرة الملكية الخاصة. واضافت المادة 47 بأنه "يحظر السلب حظرا تاما"
كذلك فان منطوق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة جاء كالتالي "لا يجوز لدولة الاحتلال ان ترحل او تنقل جزءا من سكانها المدنيين الى الاراضي التي تحتلها". كذلك فان منطوق المادة 53 لذات الاتفاقيه يحظر على دولة الاحتلال تدمير اية ممتلكات خاصة ثابتة او منقولة.."
وهذه النصوص اكدت عليها القواعد القانونية لميثاق روما الذي اسس لوجود وعمل المحكمة الجنائية الدولية.
فالمادة 8 أ من ميثاق روما اعتبرت في بندها الرابع، ان جريمة "الحاق تدمير واسع بالممتلكات والاستيلاء عليها دون ان تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة" هي جريمة حرب. أما فرع ب لذات المادة، فاعتبر في بنده رقم 8 ان "قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر او غير مباشر بنقل اجزاء من سكانها المدنيين الى الارض التي تحتلها .." هي ايضا جريمة حرب تدخل ضمن نطاق ولاية محكمة الجنايات الدولية.
القانون المحلي :
- إن حق الملكية باعتباره حقا جامعا، مانعا، ودائما هو حق طبيعي أيدته الشريعة الاسلامية (مصدر التشريع في فلسطين منذ ان فتحها العرب المسلمون) وحفظته القوانين المحلية. والقانون الاسرائيلي الاستعماري المذكور يمثل انتهاكا جسيما واعتداءا صارخا على حقوق الملكية لالاف المواطنين الفلسطينيين المحميين قانونا.
- إن سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف، التي تشكل جوهر حق الملكية الجامع، هي وحدة واحدة ولا يمكن المحافظة على وحدتها وتوزيعها في الوقت ذاته، كما فعل القانون الاسرائيلي هذا، كونه نص على سلب حق التصرف والحيازة من مالكي الاراضي الفلسطينيين عنوة وحرمهم من حق مقاضاة الفعلة.
- إن قانون الاستيلاء الاردني الذي قام المشرع الاسرائيلي بمحاولة الاستناد اليه وتفسير نصوصه بما يتلاءم ومقاسات مشروعه الاستعماري هو قانون جرى تشريعه ابتداءا لتمكين السلطة التنفيذية من تحقيق المصلحة الوطنية العامة حينما تستدعي الضرورة ذلك. ولم يقصد به الشارع ابدا ان يكون قانونا عنصريا يسمح بتجريد مالكي الارض من ملكياتهم ومنحها لافراد مجموعة اثنية استعمارية اخرى.
- مبدأحسن النية
المطلوب فلسطينيا، على الصعيد القانوني :
ا- قيام دولة فلسطين بالاحالة الفورية للمحكمة الجنائية الدولية.
- التوجه لمحكمة العدل الدولية بسؤال يتعلق بواجبات الاطراف السامية المتعاقدة – الطرف الثالث – ودورها في تنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقيات واتخاذ ما يلزم من اجراءات عملية لالزام المعتدي بانهاء اعتداءاته.
- دفع اعداد من الاشخاص الفلسطينيين الطبيعيين والمعنويين من بين المتضررين من هذا القانون بتقديم شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية.
- توجيه كافة الفلسطينيين الذين يحملون جنسيات اجنبية، والمتأثرين بشكل مباشر من هذا القانون وبما يشمل ذلك حملة الجنسيات العربية للتوجه الى محاكم البلاد التي يحملون جنسيتها لمحاكمة المجرمين الاسرائيليين.
ورقة مقدمة لمؤتمر وزارة الثقافة بتاريخ 15/3/2017
أعدها: المستشار القانوني محمد الياس نزال
هيئة مقاومة الجدار والاستيطان