رام الله- وفا- وقف الطالب محمد كعابنة على رأس تلة مطلة على مدرسته، متسائلاً عن سبب عدم توفر أبواب ونوافذ لها، متذمراً من أن اللصوص يمكنهم أن يأتوا في أي وقت يسرقوا، لكن ماذا يسرقون؟.. لا شيء.
تقع هذه المدرسة التي أشار لها محمد ابن الصف الرابع الابتدائي، في تجمع بدوي يطلق عليه اسم رأس التين في أراضي قرى كفر مالك وخربة أبو فلاح والمغير شرق رام الله، وشيدت في بداية العام الدراسي الحالي، لكن بناءها لم يستكمل بعد، رغم ذلك توجه طلاب التجمع إلى المدرسة، خشية من تكرار معاناتهم السنوية التي يتكبدون فيها التعب والإرهاق نظراً لاضطرارهم السير مشياً على الأقدام أكثر من 7 كيلو مترات عن أقرب مدرسة.
بدأت حكاية مدرسة رأس التين عند أول طوبة بنيت فيها، يومها اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي المنطقة ومنع عمال البناء من بناء طوبة ثانية، مبرراً ذلك أن تلك المنطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ويحظر فيها البناء لأي سبب كان حتى لو كانت مدرسة.
استأنف أهالي المنطقة الذين هم من عشيرتي الكعابنة وأبو الكباش بناء المدرسة متحدين القرار الإسرائيلي، لكن الاحتلال لم يتركهم ينعمون بحرية البناء، وصادر ألواح الصفيح التي تستخدم لسقف المدرسة ثلاث مرات، وصادر عدة أطنان من الإسمنت، وكميات كبيرة من الطوب، وصولاً إلى مقاعد وكراسي الطلبة.
عمل أهالي المنطقة في بناء المدرسة في ظروف غاية في الصعوبة والحذر، وكانوا يعملون فيها في ساعات الليل المتأخر خشية من مباغتة الاحتلال لهم في النهار، لكن ذلك لم يمنع القلق لديهم، فكانوا يضعون شخصاً على مدخل منطقتهم حتى يراقب أي تحركات عسكرية، وعندما يشعر بأمر ما يخبرهم، وحينها يتركون ما بين أيديهم ويرحلون، وعندما يعودون يجدون كل ما بنوه قد صار ركاما.
افتتح العام الدراسي في موعده، رغم افتقار المدرسة للنوافذ والأبواب والكهرباء والماء، والمراحيض، كما أنه لا يتوفر فيها ساحة أو ملعب يلهو فيه الطلبة، ورغم كونها مسقوفة بألواح الصفيح، حتى أن غرفة الإدارة لا يوجد فيها خزانة يحتفظ بها المعلمون بكتبهم أو أوراقهم، بل يحتفظون بأشيائهم داخل البراميل التي يوضع فيها الزيت.
يأتي الطلبة الذين يبلغ عددهم نحو 50 طالبا وطالبة إلى المدرسة صباحاً، ولا يعلمون إن كانوا سيتمكنون من العودة إليها في اليوم التالي، لأن هدم مدرستهم أصبح مسألة وقت، بعد قرار محاكم الاحتلال بذلك، لكن القرار توقف مرتين، ونهاية الاسبوع ينتهي قرار تجميد هدمها.
"نحن لم نبن فنادق، أو مبان فارهة"، يقول أحمد كعابنة مختارة عشيرة رأس التين، مستغرباً من إصرار الاحتلال على هدم مدرسة خففت من معاناة طلبتها الذين ذاقوا الويلات طيلة السنوات الماضية، حيث تعرض البعض منهم للحوادث الخطيرة نتيجة مرورهم من الشارع الاستيطاني "أيلون".
"إن هدمت المدرسة، لن نرجع إلى معاناتنا السابقة، سنعلم أطفالنا بالخيام، وإن هدمت الخيام، سنعلهم في العراء، هذا حق مكفول لهؤلاء الطلبة، وعهدنا أن نحافظ عليه"، تقول مديرة المدرسة نورة الأزهر.
أعاد بناء مدرسة رأس التين التي هي ضمن عشرات من مدارس التحدي، الحياة التعليمية إلى منطقة حرم أطفالها منها لسنوات طويلة، وهذا يعود إلى إجراءات الاحتلال التي تحظر القيام بأي نشاط لبناء مدارس رسمية أو خاصة من الإسمنت.