الملخص التنفيدي
تحاول دولة الاحتلال من خلال جملة ما تفعله في الأراضي الفلسطينية أن يبدو كل ذلك مرتبطاً بالحرب أو بما بات يعرف بالمبررات الأمنية لسلوكها على الأرض، باعتبار أن الدافع المحرك خلف السياسة الاستيطانية الاستعمارية يأخذ بعداً امنياً بحتاً، لكن في حقيقة الأمر كل ما تفعله دولة الاحتلال من تغيير في شكل السياسات الاستيطانية الاستعمارية وما يترتب عنها من إجراءات على الأرض بدأ منذ سنوات الاحتلال الأولى، وتصاعد في السنوات السابقة، وبلغ ذروته مع تشكيل حكومة اليمين المتطرف مطلع العام 2023، وتحديداً فيما يتعلق بمخرجات الاتفاقات الائتلافية بين الأحزاب التي شكلت الحكومة حينها، وعلى رأس بنود الاتفاقات الائتلافية موضوع إعادة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية وما ترتب عن تعديل قانون فك الارتباط وشرعنة البؤر وتوسعة المستعمرات ومنح المزيد من الامتيازات لصالح المستعمرين وفرض قيود تخطيطية جديدة على الفلسطينيين.
لقد بات موضوع الاتفاقات الائتلافية يقودنا إلى كل تصريحات وزير مالية الاحتلال والوزير الثاني في وزارة الجيش سموتريتش، وتحديداً إلى مقاله الشهير الذي نشر في العام 2017 معلناً من خلاله خطة الحسم، وعند مراجعة هذه الخطة، وما يتعلق بأراضي الضفة الغربية يظهر تماماً أن مجمل السياسات والإجراءات المفروضة الآن هي محض خطوات مخطط لها مسبقاً لكن تم إلصاقها بالحالة الأمنية للحرب وبالذرائع المحيطة بها، لم يعد يدور الحديث اليوم عن إجراءات معزولة عن سياقها، بل ثمة حاضنة تشريعية يتم العمل على إنجازها حول مشروع الاستيطان الاستعماري، فمن جهة يتم إجراء تغييرات جوهرية وغير مسبوقة في هيكلية الإدارة المدنية، هذا التغيير لا يعفي الشكل السابق من كونها أداة استعمارية وجدت لترسيخ الاحتلال والسيطرة على الأرض، لكن، طبيعة التغييرات التي تمت عملية إنجازها على الصعيد الهيكلي مثل استحداث منصب نائب ريس الإدارة المدنية يتولاها شخص مدني بخلفية أيديولوجية يمينية استيطانية، ثم منحه صلاحيات غير محدودة، ثم تعيين مدير جديد لمجلس التخطيط كان يعمل في مجلس استيطاني (شومرون/شمال الضفة)[1]، وسحب صلاحيات تخطيطية من السلطة الفلسطينية ومنحها للاحتلال وتحديداً في المناطق المصنفة ب، وبادية بيت لحم الشرقية الممتدة من جنوب القدس وحتى شمال الخليل بمساحة 167 كم2، لكن بالمجمل، الآن نحن نتحدث عن هدف استراتيجي يجري تحقيقه من خلال الاستيطان والسيطرة على الأرض وهو إعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل، كل السياسة الاستيطانية تتمحور حول هذا الهدف الآن.
اليوم هناك مجموعة من العناوين يجري العمل على تسريع وتيرتها بشكل غير مسبوق، أولها مصادرة الأراضي ونزع الملكية (التفاصيل لاحقاً)، الإطار الثاني، وهو موضوع هدم المباني والمنشآت وإنفاذ الصلاحيات التخطيطية لدولة الاحتلال فيما يتعلق بالبناء الفلسطيني وتسريع عمليات الهدم، وبالعودة إلى المسألة التخطيطية وإنفاذ عمليات الهدم في المناطق ب، المتوقع أن تتصاعد وتيرة إزالة البناء الفلسطيني وتفريغ مساحات شاسعة من الأرضي سواءً في مناطق ج أو مناطق ب، والاهم من ذلك أن التعيينات الجديدة في الإدارة المدنية كان جزئياً الهدف منها بالإضافة إلى إنفاذ الهدم بشكل كثيف ضد البناء الفلسطيني، هو عدم المساس بما يبنيه المستوطنون وتسريع عمليات شرعنة البؤر، حكومة الاحتلال أعدت قبل أقل من عام قائمة تحوي 70 بؤرة ستقوم بشرعنتها، شرعت بتسوية أوضاع 13 بؤرة في العام 2024، الإطار الثالث، التوسع الاستيطاني، هذا يعيدنا مرة أخرى للاتفاقيات الائتلافية التي اشترط فيها سموتريتش صلاحيات كبيرة في الإدارة المدنية، وتم منحه عملية تقليص للمصادقة على مخططات توسعة المستوطنات من 4 خطوات إلى خطوتين إضافة لإلغاء مصادقة الجيش على هذه الخطوات، ومع نهاية العام 2024 الإدارة المدنية درست (ما بين مصادقة وإيداع) ما مجموعه 173 مخططا هيكليا، هدفت لبناء 23461 جديدة في الضفة الغربية والقدس (بما تشمله من تصنيفات J1 وJ2) يضاف إلى كل ذلك إقامة 51 بؤرة استعمارية جديدة من قبل مستعمرين، منها 36 بؤرة رعوية، في تصاعد كبير وغير مسبوق لآليات السيطرة غير الرسمية على الأرض.
إن حكومة الاحتلال الحالية، وهي الحكومة الأشد يمينية وتطرفاً وفاشية، وقد رفعت، منذ اللحظة الأولى من تشكيلها شعاراً واحداً، ينسجم بالضرورة مع تشكيلة الإجرام بداخلها، عنواناً وحيداً وهو الاستيطان بلا توقف والسيطرة بلا رقابة، فقد اندفعت وإزاء ذلك، وبلا كوابح نحو محاولات العبث بالجغرافيا الفلسطينية، لتصادر خلال العام 2024 ما مجموعه 46597 دونماً تحت مسميات مختلفة (إعلان محميات طبيعية، أوامر استملاك، أوامر وضع يد، إعلانات أراضي الدولة)، مقسمة كالتالي، 20 ألف دونم تم مصادرتها من خلال 6 أوامر تعديل حدود محميات طبيعة. و803 دونماً من خلال 5 أوامر استملاك، و 1073 دونماً من خلال 35 أمر وضع يد لأغراض عسكرية ترتب عليها إنشاء 12 منطقة عازلة حول المستعمرات ومجموعة من المواقع والأسيجة والطرق الأمنية والعسكرية، و24597 دونماً تم إعلانها كأراضي دولة من خلال 8 إعلانات يضاف إليها 3 إعلانات لما يطلق عليه بطاقم الخط الأزرق.
وعلى صعيد الاعتداء على الممتلكات الفلسطينية، نفذت سلطات الاحتلال خلال العام المنصرم 2024 ما مجموعه 684 عملية هدم، هدمت خلالها 903 منشأة في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس. وكذلك فقد أصدرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي (939) اخطارا لهدم منشآت فلسطينية بحجة عدم الترخيص منها إصدار 20 إخطاراً تستهدف برية بيت لحم الشرقية.
وعلى مستوى الاعتداءات والانتهاكات المسجلة بحق المواطنين وممتلكاتهم، فقد رصدت طواقم التوثيق والنشر لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، خلال العام المنصرم، 2024، ما مجموعه 16612 اعتداءً نفذتها أجهزة دولة الاحتلال المختلفة بما فيها ميليشا مستعمريه على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، كان منها 13641 اعتداء على يد الجيش الاسرائيلي، و 2934 على يد ميليشا مستعمريه.
وأدت هذه الاعتداءات الممنهجة إلى استشهاد 522 مواطناً فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس، في حين استشهد 10 مواطنين على يد المستعمرين.
وبحسب قاعدة بيانات التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فقد بلغ عدد العمليات التي استهدفت الأشجار الفلسطينية خلال العام المنصرم، 2024، ما مجموعه 451 عملية اعتداء استهدفت 14212 شجرة، من ضمنها 10459 شجرة زيتون. سجلت محافظة الخليل المحافظة الأعلى من حيث عدد الأشجار المتضررة بـ 3980 شجرة، تلتها محافظة بيت لحم بتضرر واقتلاع 3791 شجرة، ثم محافظة نابلس بتضرر واقتلاع 2737 شجرة.
[1] انظر الملف التحليلي تحت عنوان: " تغيير البنية الهيكلية "للإدارة المدنية"، الآثار والسيناريوهات" في قسم الملفات التحليلية صفحة 100