يامن نوباني
يلعب الاستيطان في وادي قانا لعبة "نحن فوق وأنتم تحت"، مستغلا تربعه فوق قمم الجبال المحيطة بالوادي، فيغرق بين الفينة والأخرى أراضي المواطنين ومحاصيل وبيارات المزارعين بالمياه العادمة، في محاولة لتهجير ما تبقَ من الفلسطينيين، الذين كانوا يقطنون الوادي بالمئات قبل عام 1967، ليتقلصوا اليوم إلى بضع عشرات.
في وادي قانا، على بعد 2 كيلو متر من دير استيا غرب سلفيت، يخرب المستوطنون الأرض، يقتلعون الأشجار، يسرقون الثمر، يُحطمون أنابيب الري، يستولون على المياه الجوفية ويلوثون المتبقي منها، يطلقون الشتائم على المزارعين، يقطعون الطريق أمام المتنزهين. كل هذا لم يوقف ليمون وبرتقال الوادي من النمو ومنح الثمر والرزق لأصحابه، ولا منع هواة الاستكشاف والتجوال من أن تدق أقدامهم تلك القطعة الخصبة من الأرض الفلسطينية.
المكان مستباح ومغتصب من قبل المستوطنين منذ نهايات السبعينيات (1978) حيث أقيمت "كرني شمرون" كأول مستوطنة فوق أراضي دير استيا والقرى المجاورة، تبعها مستوطنات (عمانوئيل، يا كير، نوفيم، جنات شمرون، معالي شمرون، رفافا)، كما أقيمت بين الأعوام 1998 و2000 بؤر استيطانيّة جديدة، وهي: "ألوني شيلو" و"إل متان" و"حفات يئير".
وبحسب رئيس بلدية دير استيا سعيد زيان، فإن مساحة دير استيا تبلغ 36 الف دونم، وعدد سكانها 5 الاف نسمة، فيما تبلغ مساحة وادي قانا 5-5500 الاف دونم، 4 منها مزروعة بالحمضيات والزيتون واللوزيات.
وأضاف زيدان لـ"وفا": يوجد في وادي قانا 12 عين ماء جارية على مدار السنة، وأهمها: عين واد المعاصر، وعين الجوزة، وعين الفوار، وعين البطة، وعين البنات، وعين التنور وعين الجناين، وفي القدم كانت الخضار والحبوب تزرع فيه، اما حالياً لا يتم زراعتها بسبب تلوث المياه بمجاري المستوطنات التي تفيض على مياه الواد كل فترة ـ وبسبب آفة الخنازير البرية.
وأكد أن أراضي الواد مملوكة لأبناء دير استيا منذ زمن العثمانيين وفيها كوشان واوراق ثبوتيه، وحالياً تمنعهم سلطات الاحتلال من استصلاحها وزراعتها والاهتمام بشكلها الجمالي، مشيرا إلى أن حجم المحمية بما فيه المحتل منها يبلغ 12 ألف دونم.
وحول إجراءات الاحتلال الأخيرة في الوادي، أشار إلى قيام الاحتلال بتوزيع اخطارات بهدم سلاسل حجرية، وهي سابقة تحصل للمرة الأولى في المنطقة.
ورأى زيدان ضرورة زيارة المواطنين والمتنزهين للوادي، لتعزيز صمود أصحابه والتأكيد على فلسطينيته وتفويت الفرصة على أطماع المستوطنين "باغتصاب" ما تبقى منه لصالح مستوطناتهم القريبة وتنزههم، حيث شقوا قبل مدة قصيرة طريقا خاصة بالدراجات الهوائية، منوها إلى أن الوادي كان يعج بالحياة قبل الاحتلال، ويعتبر السلة الغذائية للمنطقة بأكملها، وما زال متنزها للكثيرين من الضفة الغربية.
وبحسب زيدان، فإن دير استيا تأتي في المرتبة الثالثة في الضفة الغربية من حيث انتاج زيت الزيتون، وفي المرتبة الأولى على محافظة سلفيت.
يشار إلى أن الاحتلال أدرج في العام 1983 وادي قانا كمحمية طبيعية اسرائيلية، وهو ما يمنع الأهالي من العمل فيها والاستفادة منها، اضافة إلى أن الوادي يتعرض منذ سنوات لحملة شرسة من اقتلاع وحرق الأشجار وشق الطرق الاستيطانية، وإغراق بالمياه العادمة، وطرد الأهالي، وكانت أشرس الحملات في كانون الثاني 2014 حيث أقتلع من أرض الوادي ألف شجرة من أصل 2483.
مدير دائرة الزراعة في سلفيت، ابراهيم الحمد قال لـ"وفا": الاحتلال أبعد ما يكون إلى حماية الطبيعة، بل يخربون البيئة والطبيعة والتنوع الحيوي والحياة البرية من خلال تواجد عدد من المستوطنات على قمم الجبال المحيطة بالوادي، وجود هذه المستوطنات هو الذي يدمر الطبيعة ويخربها، المزارعون دائما يتعرضون للمضايقات واخطارات وكان آخرها قبل أيام بإعطائهم عدة اخطارات بقطع وخلع غراس زيتون وجدران استنادية.
على الرغم من سرقة المياه الجوفية، وتلويث بعضها، فإن الماء ما زال يمشي في قنوات رفيعة بين البساتين والصخور، ويصب في برك صغيرة تُعطي المكان سحرا، اضافة إلى التنوع النباتي المدهش، فليمون وبرتقال الوادي يسر الناظرين، والسائرين بين مئات الدونمات في الوادي، الذين يعبرونه في طرق مُكسرة، وكأنه قدر الفلسطينيين أن يسيروا دوما إلى أرضهم ومصدر رزقهم المهدد والمُستوطن في طرقٍ ومهمشة ومعوجة. هكذا تبدأ الطريق إلى وادي قانا.
على مسافة تُقدر بعشرين كيلو متر، يمشي وادي المطوي، أحد أبرز مصادر المياه والحياة في محافظة سلفيت، والتابع لأراضي مدينة سلفيت وقرية فرخة المجاورة لها، لكنه اليوم يمشي بمياه الصرف الصحي التي تمشي بين البيوت في قرية بروقين.
وقال الحمد: بالنسبة لواد المطوي التابع لأراضي مدينة سلفيت وقرية فرخة فهو يتعرض لتدفق مجاري مستوطنة آرائيل في واد المطوي الذي تتدفق منه العديد من الينابيع ليستخدمها المزارعون لري محاصيلهم وتستخدمه أيضا بلدية سلفيت لأغراض الشرب وهنا خوف من تلوث الينابيع من هذه المجاري القريبة من الينابيع وتلوث المياه الجوفية، اضافة إلى تلوث الأعشاب القريبة من مجرى الواد بهذه المجاري والتالي تقوم المواشي برعيها، وتتلوث منتجاتها التي تصل إلى الانسان، ناهيك عن الروائح الكريهة الصادرة من الوادي والتي تضر بصحة الانسان نتيجة تسببها بانتشار الحشرات والأوبئة التي تتكاثر على هذه المجاري، وانتشار الخنازير البرية التي اطلقها الاحتلال منذ سنين، فهي تجدها مكانا مناسبا.
وادي قانا ووادي المطوي، مثال حي وصارخ على ما تتعرض له محافظة سلفيت من أبشع اشكال استغلال واستيطان الأرض والمواطن، ومحاولة اقتلاعهما، بتغيير معالم الطبيعة وسرقة المياه المتدفقة من جوفها، وتلويث رزقهم من الأرض والهواء من حولهم.