بقلم : موفق مطر 

أينما وجد الفلسطيني يجب توفير مقومات الحياة الكريمة له، ليقوى على الصمود والثبات، ويساهم بتحقيق هدف الحرية والاستقلال. 

أحد أهم قواعد السياسة بمعانيها الفاضلة التي يجسدها الرئيس محمود عباس، فمنهج الحكم والمسؤولية في الذروة، تعني خلق المناخ والبيئة المساعدتين للفلسطيني في البقاء والتجذر حيث هو.

كانت الثقافة الشعبية التي صقلها التعليم والتعلم أهم اسلحة الشعب الفلسطيني التي ساعدته في تجاوز التجهيل وفقدان خصائص الشخصية الوطنية، فالخيمة المدرسة، أو المدرسة الخيمة، كانت ابرز علامات المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، واعتقد يقينا لو ان دولة الاحتلال أدركت مفاعيل هذه المدارس في الخيم، وتـأثيراتها اللاحقة لأحرقتها بقنابل النابالم بمن فيها، أو دمرتها عن بعد كما تفعل جرافات جيشها عن قرب بعد حوالي سبعين عاما على النكبة، فتدمير المدارس بات كخطة موازية لتهويد التعليم، ورفع وتيرة الاستيطان. 


يعرف قادة الاحتلال ان الفلسطيني يبحث عن تعليم ابنائه ويتمسك بهذا الحق، كتمسكه بحياته وحريته، ويعلمون ايضا أن تعليم الأبناء أولوية لدى رب العائلة الفلسطينية مهما كانت ظروفه المادية، لذا فان سلطات الاحتلال لا تفوت فرصة لافقار هذا المواطن وتحديدا في المناطق البعيدة نسبيا عن طرق المواصلات والحياة المدنية الطبيعية، لا تفوت وسيلة لهزيمة عزيمته وارادته بهذا الاتجاه الا وتفعله، واهمها اعدام فرصة توفير التعلم لبناء الفلسطيني في مكانه الطبيعي المولود فيه او الذي يجد فيه سبيلا لاستمرار حياته كما يشاء، اي بمعنى اصح وأد المدرسة في المهد، أو اعدامها اذا بلغت الكمال.

كثير من متابعي الأحداث في فلسطين لا يعلمون ان الاحتلال يفتش عن (الاسمنت والحصمة) ويصادرهما ويمنعهما عن المناطق المحيطة في القدس، ويصنفهما في سجل الخطر تماما كالسلاح، والسبب ان الاسمنت والحصمة- وهي الحجارة الصغيرة المكسرة المستخدمة في عملية البناء– مصنفان لدى جيش الاحتلال سلاحا أيضا، حال استخدامهما في بناء المدارس أو اي منشأة تعزز بقاء الفلسطيني في أرضه، فحكومة نتنياهو مثلا امرت عديد المرات باغلاق وتدمير مدرسة الخان الأحمر شرق القدس لأنها وسابقاتها من الحكومات تعتبر التعلم والتعليم اهم سلاح لدى الفلسطينيين في مقاومتهم المشروعة.. رغم علم نتنياهو ان الفلسطينيين قد رفعوا اركان هذه المدرسة على 2800 اطار مطاطي (عجلات السيارات الكاوتشوك) التي ارادتها سلطات الاحتلال لتكون مجرد منتج (للسخام) الخانق العامي للبصر والبصيرة، بعد اقرار حظر وصول الاسمنت والحصمة للمكان، حتى ان جيشه الذي "لا يقهر" كان يفتش خيام البدو في المنطقة للبحث عن (جردل)
اسمنت او حصمة او رمل!. فهل من ارهاب اشد واقسى من دولة تسعى لحرمان الاطفال من الحق في التعلم. 

ارتفعت اركان مدرسة الخان الأحمر كنموذج على هامات مشبعة بارادة فلسطينية وطنية، وانتجت الطاقة الكهربائية بالطاقة الشمسية، وجلبت اليها مياه الشرب والصالحة للاستعمال بالصهاريج، واطلق العام الدراسي للعام 2016 منها، وتستقبل حوالي 170 تلميذاً وتلميذة من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الاعدادي، يصلونها من خمسة تجمعات بدوية في الأراضي التابعة للقدس، ثم يرددون النشيد الوطني الفلسطيني في الطابور الصباحي.  

ليست مدرسة الخان الأحمر كأي مدرسة، لكنها مدرسة المتفوقين على التجهيل والظلم والاحتلال والاستيطان والعنصرية، مدرسة المتفوقين في المقاومة الشعبية السلمية، التي تعني او ما تعنيه ان تستثمر افكارك وقدراتك وامكانياتك باخلاص في بناء الانسان، فلعل مدرسة رفع جدرانها المؤمنون بالعلم وبجدواها ومقاصدها على (عجل) خير من الف مدرسة بمختبرات، واقسام، وملاعب فقد روادها الأمل. انها مدرسة العجلات الفائزة حتما في سباق البقاء على الأرض، وابقاء سخام الاستيطان والاحتلال في ميدان الخاسرين ابدا.